أَلا بَكَرت عِرسي تَلومُ وتَعذُلُ

أَلا بَكَرت عِرسي تَلومُ وتَعذُلُ
وَغَيرُ الَّذي قالَت أَعفُّ وَأَجمَلُ
وَلَما رَأَت رَأَسي تَبَدَّلَ لَونُهُ
بَياضاً عَن اللَونِ الَّذي كانَ أَوَّلُ
أَرَنَّت مِنَ الشَيبِ العَجيبِ الَّذي رَأَت
وَهَل أَنتِ مِني وَيبَ غَيرِكِ أَمثَلُ
كِلانا عَلَتهُ كُبرَةٌ فَكَأَنَّما
رَمَتهُ سِهامٌ في المَفَارِقِ نُصَّلُ
وَقَد أَشهَدُ الكَأَسَ الرَوِّيَةَ لاهِياً
أُعَلُّ قَبيلَ الصُبحِ مِنها وَأَنهَلُ
يُنازِعُنيها لَيِّنٌ غَيرُ فاحِشٍ
مُبادِرُ غاياتِ التِجارِ مُعَذَّلُ
إِذا غَلَبَتهُ الكَأسُ لا مُتَعَبِّسٌ
حَصورٌ وَلا مِن دونِها يَتَبَسَّلُ
وَليسَ خَليلي بِالمَلولِ وَلا الَّذي
يَلومُ عَلى البُخلِ البَخيلَ وَيَبخَلُ
لَنا حاجَةٌ في صَرحَةِ الحَيِّ بَعدَما
بَدا لَهُم أَن يَظعَنوا فَتَحَمَّلوا
نَشاوى نَديمُ الكَأَسِ مِنا مُرَنَّحٌ
وَعَيسٌ مُناخاتٌ عَلَيهِنَّ أَرحُلُ
وَجَحلٌ سَليمٌ قَد كَشَفنا جِلالَهُ
وَآخَرُ في أَنضاءِ مِسحٍ مُسَربَلُ
وَصَرماءَ مِذكارٍ كَأَنَّ دَوِيَّها
بُعَيدَ جَنانِ اللَيلِ مِما يُخَيَّلُ
حَديثُ أَناسِيٍّ فَلَما سَمِعتُهُ
إِذا لَيسَ فيهِ ما أَبينُ فَأَعقِلُ
قَطَعتُ يُماشيني بِها مُتَضائِلٌ
مِنَ الطُلسِ أَحياناً يَخُبُّ وَيَعسِلُ
يُحِبُّ دُنُوَّ الإِنسِ مِنهُ وَما بِهِ
إِلى أَحَدٍ يَوماً مِنَ الإِنسِ مَنزِلُ
تَقَرَّبَ حَتّى قُلتُ لَم يَدنُ هَكَذا
مِنَ الإِنسِ إِلّا جاهِلٌ أَو مُضَلَّلُ
مَدى النَبلِ تَغشاني إِذا ما زَجَرتُهُ
قُشَعريرَةٌ مِن وَجهِهِ وَهُوَ مُقبِلُ
إِذا ما عَوى مُستَقبِلَ الريحِ جاوَبَت
مَسامِعُهُ فاهٌ عَلى الزادِ مُعوِلُ
كَسوبٌ إِلى أَن شَبَّ مِن كَسبِ واحِدٍ
مُحالِفُهُ الإِقتارُ لا يَتَمَّوَلُ
كَأَنَّ دُخانَ الرَمثِ خالَطَ لَونَهُ
يُغَلُّ بِهِ مِن باطِنٍ وَيُجَلَّلُ
بَصيرٌ بِأَدغالِ الضَراءِ إِذا خَدى
يَعيلُ وَيَخفى بِالجِهادِ وَيَمثُلُ
تَراهُ سَميناً ما شَتا وَكَأَنَّهُ
حَمِيٌّ إِذا ما صافَ أَو هُوَ أَهزَلُ
كانَ نَساهُ شِرعَةٌ وَكَأَنَّهُ
إِذا ما تَمَطّى وِجهَةَ الريحِ مَحمَلُ
وَحَمشٌ بَصيرُ المُقلَتَين كَأَنَّهُ
إِذا ما مَشى مُستَكرِهِ الريحِ أَقزَلُ
يَكادُ يَرى ما لا تَرى عَينُ واحِدٍ
يُثير لَهُ ما غَيَّبَ التُربُ مِعوَلُ
إِذا حَضَراني قُلتُ لو تَعلَمانِهِ
أَلَم تَعلَما أَنّي مِنَ الزادِ مُرمِلُ
غُرابٌ وَذِئبٌ يَنظُرانِ مَتى أَرى
مُناخَ مَبيتٍ أَو مَقيلاً فَأَنزِلُ
أَغارا عَلى ما خَيَّلَت وَكِلاهُما
سَيُخلِفُهُ مِني الَّذي كانَ يَأمَلُ
كَأَنَّ شُجاعَي رَملَةٍ دَرَجا مَعاً
فَمَرّا بِنا لَولا وقوفٌ وَمَنزِلُ
فَلَم يَجِدا إِلّا مَناخَ مَطِيَةٍ
تَجافى بِها زَورٌ نَبيلٌ وَكَلكَلُ
وَمَضرَبُها تَحتَ الحَصى بِجِرانِها
وَمَثنى نَواجٍ لَم يَخُنهُنَّ مَفصِلُ
وَأَتلَعَ يُلوى بِالجَديلِ كَأَنَّهُ
عَسيبٌ سَقاهُ مِن سُمَيحَةَ جَدولُ
وَمَوضِعَ طَولِيٍّ وَأَحناءَ قاتِرٍ
يَئِطُّ إِذا ما شُدَّ بِالنَسعِ مِن عَلُ
وَسُمرٌ ظِماءٌ واتَرَتهُنَّ بَعدَما
مَضَت هَجعَةٌ مِن آخِرِ اللَيل ذُبَّلُ
سَفى فَوقَهُنَّ التُربَ ضافٍ كَأَنَّهُ
عَلى الفَرجِ وَالحاذينِ قِنوٌ مُذَلَّلُ
وَمُضطَّمِرٌ مِن خاشِعِ الطَرفِ خائِفٌ
لِما تَضَعُ الأَرضُ القَواءُ وَتَحمِلُ
أَنَختُ قَلوصي وَاِكتَلَأتُ بِعَينِها
وَآمَرتُ نَفسي أَيَّ أَمرَيَّ أَفعَلُ
أَأَكلَؤُها خَوفَ الحَوادِثِ إِنَّها
تَريبُ عَلى الإِنسانِ أَم أَتَوَكَّلُ
فَأَقسَمتُ بِالرَحمَنِ لا شَيءَ غَيرَهُ
يَمينَ اِمرِىءٍ بَرٍّ وَلا أَتَحَلَّلُ
لَأَستَشعِرَنَّ أَعلى دَريسَيَّ مُسلِماً
لَوَجهِ الَّذي يُحيي الأَنامَ وَيَقتُلُ
هُوَ الحافِظُ الوَسنانَ بِاللَيلِ مَيِّتاً
عَلى أَنَّهُ حَيٌّ مِنَ النَومِ مُثقَلُ
مِنَ الأَسوَدِ الساري وَإِن كانَ ثائِراً
عَلى حَدِّ نابَيهِ السَمامُ المُثَمَّلُ
فَلَما اِستَدارَ الفَرقَدانِ زَجَرتُها
وَهبَّ سِماكٌ ذو سِلاحٍ وَأَعزَلُ
فَحَطَّت سَريعاً لَم يَخُنها فُؤادُها
وَلا عَينُها مِن خَشيَةِ السَوطِ تَغفُلُ
يُقَطِّعُ سَيرَ الناعِجاتِ ذَميلُها
نَجاءً إِذا اِختَبَّ النَجاءُ المُعَوَّلُ
مُنَفَّجَةُ الدَفَّينِ طُيِّنَ لَحمُها
كَما طُيِّنَ بِالضاحي مِنَ اللَبَنِ مِجدَلُ
وَدَفٌّ لَها مِثلُ الصَفاةِ وَمِرفَقٌ
عَنِ الزَورِ مَفتولُ المُشاشَةِ أَفتَلُ
وَسَالِفَةٌ رَيّا يُبَلُّ جَديلُها
إِذا ما عَلاها ماؤُها المُتَبَزِّلُ
وَصافِيَةٌ تَنفي القَذاةَ كَأَنَّها
عَلى الأَينِ يَجلوها جِلاءٌ وَتُكحَلُ
فَمَن لِلقَوافي شانَها مَن يَحوكُها
إِذا ما ثَوى كَعبٌ وَفَوَّزَ جَروَلُ
يَقولُ فَلا يَعيا بِشَيءٍ يَقولُهُ
وَمِن قائِليها مَن يُسيءُ وَيَعمَلُ
يُقَوِّمُها حَتّى تَقومَ مُتونُها
فَيَقصُرُ عَنها كُلُّ ما يُتَمَثَّلُ
كَفَيتُكَ لا تَلقى مِنَ الناسِ شاعِراً
تَنَخَّلَ مِنها مِثلَ ما أَتَنَخَّلُ
كَعْبَ بْنْ زُهَيْرْ
كَعْبَ بْنْ زُهَيْرْ

أَبُو اَلْمِضْرَبِ كَعْبَ بْنْ زُهَيْرْ بْنْ أَبِي سُلْمَى اَلْمَزْنِي اَلْمُضَرِيَّ ( 26 هـ = 646م). شاعر مخضرم أدرك عصرين مختلفين هما عصر الجاهلية وعصر صدر الإسلام. كان ممن اشتهر في الجاهلية ولما ظهر الإسلام هجا النبي محمد، وأقام يشبب بنساء المسلمين، فأهدر دمه فجاءه كعب مستأمناً وقد أسلم وأنشده لاميته المشهورة التي مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول، فعفا عنه النبي، وخلع عليه بردته۔ هو: كعب بن زهير بن أبي سُلمَى ربيعة بن ريِاح بن قُرط بن الحارث بن مازن بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور بن هُذمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة۔ أمه: امرأة من بني عبد الله بن غطفان يقال لها كبشة بنت عمار بن عدي بن سحيم، وهي أم كل ولد زهير۔ نشأ كعب في أحضان والده الشاعر ووسط أسرة تقرض جميعها الشعر، فأبوه زهير وعمته سُلمَى والخنساء كلهم من الشعراء، كما أثرت هذه النشأة على أخيه "بجير" الذي أخذ الشعر أيضا عن أبيه. وكان زهير يحفظهم الشعر منه شعره ويقولون عن كعب أنه كان يخرج به أبوه إلى الصحراء فيلقي عليه بيتاً أو سطراً ويطلب أن يجيزه تمريناُ ودرّبه، كما أن كعباً كان في عصر ما قبل الإسلام شاعراً معروفاً أكثر من الحطيئة۔

More poems from same author

Unlock the Power of Language & AI

Benefit from dictionaries, spell checkers, and character recognizers. A revolutionary step for students, teachers, researchers, and professionals from various fields and industries.

Lughaat

Empower the academic and research process through various Pakistani and international dictionaries.

Explore

Spell Checker

Detect and correct spelling mistakes across multiple languages.

Try Now

OCR

Convert images to editable text using advanced OCR technology.

Use OCR