وَهاجِرَةٍ لا تَستَريدُ ظِباؤُها

وَهاجِرَةٍ لا تَستَريدُ ظِباؤُها
لِأَعلامِها مِنَ السَرابِ عَمائمُ
تَرى الكاسِعاتِ العُفرَ فيها كَأَنَّما
شَواها فَصَلّاها مِنَ النارِ جاحِمُ
نَصَبتُ لَها وَجهي عَلى ظَهرِ لاحِبٍ
طَحينِ الحَصى قَد سَهَّلَتهُ المَناسِمُ
تَراهُ إِذا يَعلو الأَحِزَّةَ واضِحاً
لِمَن كانَ يَسري وَهُوَ بِاللَيلِ طاسِمُ
زَجَرتُ عَلَيهِ حُرَّةَ اللَيطِ رَفَّعَت
عَلى رَبِذٍ كَأَنَّهُنَّ دَعائِمُ
تَخالُ بِضاحي جِلدِها وَدُفوفِها
عَصيمَ هَناءٍ أَعقَدَتهُ الحَناتِمُ
يَظَلُّ حَصى المَعزاءِ بَينَ فُروجِها
إِذا ما اِرتَمَت شَرواتِهِنَّ القوائِمُ
فُضاضاً كَما تَنزو دَراهِمُ تاجِرٍ
يُقَمِّصُها فَوقَ البَنان الأَباهِمُ
كَأَنّي كَسَوتُ الرَحلَ جَونا رَباعِياً
تَضَمَّنَهُ وَادي الجَبا وَالصَرائِمُ
أَتى دونَ ماءِ الرَسِّ بادٍ وَحاضِرٌ
وَفيها الجِمامُ الطامِياتُ الخَضارِمُ
فَصَدَّ فَأَضحى بِالسَليلِ كَأَنَّهُ
سَليبُ رِجالٍ فَوق عَلياءَ قائِمُ
يُقَلِّبُ لِلأَصواتِ وَالريحِ هادِياً
تَميمَ النَضِيِّ بَرَّصَتهُ المَكادِمُ
وَغائِرَةً في الحِنوِ دارَ حِجامُها
لَها بَصرٌ تَرمى بِهِ الغَيبَ ساهِمُ
وَرَأساً كَدَنِّ التَجرِ جَأباً كَأَنَّما
رَمى حاجِبَيهِ بِالجَلاميدِ راجِمُ
وَفوهُ كَشَرخِ الكورِ خانَ بِأَسرِهِ
مَساميرُهُ فَحِنوُهُ مُتَفاقِمُ
كِلا مِنخَرَيهِ سائِفاً وَمُعَشِّراً
بِما اِنصَبَّ مِن ماءِ الخَياشيمِ راذِمُ
فَهُنَّ قِيامُ يَنتَظِرنَ قَضاءَهُ
وَهُنَّ هَوادٍ لِلرَكِيِّ نَواظِمُ
وَفي جانِبِ الماءِ الَّذي كانَ يَبتَغي
بِهِ الرِيَّ دَبّابٌ إِلى الصَيدِ عَالِمُ
وَمِن خَلفِهِ ذو قُتَرَةٍ مُتَسَمِّعٌ
طَويلُ الطَوى خِفٌّ بِها مُتعالِمُ
رَفيقٌ بِتَنضيدِ الصَفا ما تَفوتُهُ
بِمُرتَصَدٍ وَحشِيَّةٌ وَهُوَ نائِمُ
فَلَمّا اِرتَدى جُلّاً مِنَ اللَيلِ هاجَها
إِلى الحائِرِ المَسجونِ فيهِ العَلاجِمُ
فَلَمّا دَنا لِلماءِ سافَ حِياضَهُ
وَخافَ الجَبانُ حَتفَهُ وَهُوَ قائِمُ
فَوافَينَهُ حَتّى إِذا ما تَصَوَّبَت
أَكَارِعُهُ أَهوى لَهُ وَهُوَ سادِمُ
طَليحٌ مِنَ التَعساءِ حَتّى كَأَنَّهُ
حَديثٌ بِحُمّى أَسأَرَتها سُلالِمُ
لَطيفٌ كَصُدّادِ الصَفا لا تَغُرُّهُ
بِمُرتَقَبٍ وَحشِيَّةٌ وَهُوَ حازِمُ
أَخو قُتُراتٍ لايَزالُ كَأَنَّهُ
إِذا لَم يُصِب صَيداً مِنَ الوَحشِ غارِمُ
يُقَلِّبُ حَشَراتٍ وَيَختارُ نابِلٌ
مِنَ الريشِ ما اِلتَفَّت عَلَيهِ القَوادِمُ
صَدَرنَ رِواءً عَن أَسِنَّةَ صُلَّبٍ
يَقِئنَ وَيَقطُرنَ السِمامَ سَلاجِمُ
وَصَفراءَ شَكَّتها الأَسِرَّةُ عودُها
عَلى الطَلِّ وَالأَنداءِ أَحمَرُ كاتِمُ
إِذا أُطِرَ المَربوعُ مِنها تَرَنَّمَت
كَما أَرزَمَت بَكرٌ عَلى البَوِّ رائِمُ
فَأَورَدَها في عُكوَةِ اللَيلِ جَوشَناً
لِأَكفالِها حَتّى أَتى الماءَ لازِمُ
فَلَمّا أَرادَ الصَوتَ يَوماً وَأَشرَعَت
زَوى سَهمَهُ عاوٍ مِنَ الجِنِّ حارِمُ
فَمَرَّ عَلى مُلسِ النَواشِر قَلَّما
تُثَبِّطُهُنَّ بِالخَبارِ الجِراثِمُ
وَمَرَّ بِأَكنافِ اليَدَينِ نَضِيَّهُ
وَلِلحَتفِ أَحياناً عَنِ النَفسِ عاجِمُ
يَعُضُّ بِإِبهامِ اليَدَينِ تَنَدُّماً
وَلَهَّفَ سِرّاً أُمَّهُ وَهُوَ نادِمُ
وَقالَ أَلا في خَيبَةٍ أَنتِ مِن يَدٍ
وَجَدَّ بِذي إِثرٍ بَنانَكِ جاذِمُ
وَأَصبَحَ يَبغي نَصلَهُ وَنَضِيَّهُ
فَريقَينِ شَتّى وَهُوَ أَسفانُ واجِمُ
وَصاحَ بِها جَأبٌ كَأَنَّ نُسورَهُ
نَوىً عَضَّهُ مِن تَمرِ قُرّانَ عاجِمُ
وَقَفّى فَأَضحى بِالسِتارِ كَأَنَّهُ
خَليعُ رِجالٍ فَوقَ عَلياءَ صائِمُ
قَليلُ التَأَنّي مُستَتِبٌّ كَأَنَّهُ
لَها واسِقٌ يَنجو بِها اللَيلَ غانِمُ
فَوَرَّكَ قِدراً بِالشَمالِ وَضَلفَعاً
وَحاذَتهُ أَعلاَمٌ لَها ومَخارِمُ
وَأَمَّ بِها ماءَ الرَسيسِ فَصَوَّبَت
لِلَينَةَ وَاِنقَضَّ النُجومُ القَوائِمُ
فَلَم أَرَ مَوسوقاً أَقَلَّ وَتيرَةً
وَلا واسِقاً ما لَم تَخُنهُ القَوائِمُ
كَعْبَ بْنْ زُهَيْرْ
كَعْبَ بْنْ زُهَيْرْ

أَبُو اَلْمِضْرَبِ كَعْبَ بْنْ زُهَيْرْ بْنْ أَبِي سُلْمَى اَلْمَزْنِي اَلْمُضَرِيَّ ( 26 هـ = 646م). شاعر مخضرم أدرك عصرين مختلفين هما عصر الجاهلية وعصر صدر الإسلام. كان ممن اشتهر في الجاهلية ولما ظهر الإسلام هجا النبي محمد، وأقام يشبب بنساء المسلمين، فأهدر دمه فجاءه كعب مستأمناً وقد أسلم وأنشده لاميته المشهورة التي مطلعها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول، فعفا عنه النبي، وخلع عليه بردته۔ هو: كعب بن زهير بن أبي سُلمَى ربيعة بن ريِاح بن قُرط بن الحارث بن مازن بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور بن هُذمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة۔ أمه: امرأة من بني عبد الله بن غطفان يقال لها كبشة بنت عمار بن عدي بن سحيم، وهي أم كل ولد زهير۔ نشأ كعب في أحضان والده الشاعر ووسط أسرة تقرض جميعها الشعر، فأبوه زهير وعمته سُلمَى والخنساء كلهم من الشعراء، كما أثرت هذه النشأة على أخيه "بجير" الذي أخذ الشعر أيضا عن أبيه. وكان زهير يحفظهم الشعر منه شعره ويقولون عن كعب أنه كان يخرج به أبوه إلى الصحراء فيلقي عليه بيتاً أو سطراً ويطلب أن يجيزه تمريناُ ودرّبه، كما أن كعباً كان في عصر ما قبل الإسلام شاعراً معروفاً أكثر من الحطيئة۔

More poems from same author

Unlock the Power of Language & AI

Benefit from dictionaries, spell checkers, and character recognizers. A revolutionary step for students, teachers, researchers, and professionals from various fields and industries.

Lughaat

Empower the academic and research process through various Pakistani and international dictionaries.

Explore

Spell Checker

Detect and correct spelling mistakes across multiple languages.

Try Now

OCR

Convert images to editable text using advanced OCR technology.

Use OCR