لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل

لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل
مَحَلٌ قَدِيمُ العَهدِ طَالَت بِهِ الطِّيَل
عَفَا غَيرَ مُرتَادٍ ومَرَّ كَسَرحَب
ومُنخَفَضٍ طام تَنَكَّرَ واضمَحَل
وزَالَت صُرُوفُ الدَهرِ عَنهُ فَأَصبَحَت
عَلى غَيرِ سُكَّانٍ ومَن سَكَنَ ارتَحَل
تَنَطَّحَ بِالأَطلالِ مِنه مُجَلجِلٌ
أَحَمُّ إِذَا احمَومَت سحَائِبُهُ انسَجَل
بِرِيحٍ وبَرقٍ لَاحَ بَينَ سَحَائِبٍ
ورَعدٍ إِذَا ما هَبَّ هَاتِفهُ هَطَل
فَأَنبَتَ فِيهِ مِن غَشَنِض وغَشنَضٍ
ورَونَقِ رَندٍ والصَّلَندَدِ والأَسل
وفِيهِ القَطَا والبُومُ وابنُ حبَوكَلِ
وطَيرُ القَطاطِ والبَلندَدُ والحَجَل
وعُنثُلَةٌ والخَيثَوَانُ وبُرسُلٌ
وفَرخُ فَرِيق والرِّفَلّةَ والرفَل
وفِيلٌ وأَذيابٌ وابنُ خُوَيدرٍ
وغَنسَلَةٌ فِيهَا الخُفَيعَانُ قَد نَزَل
وهَامٌ وهَمهَامٌ وطَالِعُ أَنجُدٍ
ومُنحَبِكُ الرَّوقَينِ في سَيرِهِ مَيَل
فَلَمَّا عَرَفت الدَّارَ بَعدَ تَوَهُّمي
تَكَفكَفَ دَمعِي فَوقَ خَدَّي وانهمَل
فَقُلتُ لَها يا دَارُ سَلمَى ومَا الَّذِي
تَمَتَّعتِ لَا بُدِّلتِ يا دَارُ بِالبدَل
لَقَد طَالَ مَا أَضحَيتِ فَقراً ومَألَف
ومُنتظَراً لِلحَىِّ مَن حَلَّ أَو رحَل
ومَأوىً لِأَبكَارٍ حِسَانٍ أَوَانسٍ
ورُبَّ فَتىً كالليثِ مُشتَهَرِ بَطَل
لَقَد كُنتُ أَسبى الغِيدَ أَمرَدَ نَاشِئ
ويَسبِينَني مِنهُنَّ بِالدَّلِّ والمُقَل
لَيَالِيَ أَسبِى الغَانِيَاتِ بِحُمَّةٍ
مُعَثكَلَةٍ سَودَاءَ زَيَّنَهَا رجَل
كأَنَّ قَطِيرَ البَانِ في عُكنَاتِهَ
عَلَى مُنثَنىً والمَنكِبينِ عَطَى رَطِل
تَعَلَّقَ قَلبي طَفلَةً عَرَبِيَّةً
تَنَعمُ في الدِّيبَاجِ والحَلى والحُلَل
لَهَا مُقلَةٌ لَو أَنَّهَا نَظَرَت بِهَ
إِلى رَاهِبٍ قَد صَامَ لِلّهِ وابتَهَل
لَأَصبَحَ مَفتُوناً مُعَنَّى بِحُبِّهَ
كأَن لَم يَصُم لِلّهِ يَوماً ولَم يُصَل
أَلا رُبَّ يَومٍ قَد لَهَوتُ بِذلِّهَ
إِذَا مَا أَبُوهَا لَيلَةً غَابَ أَو غَفَل
فَقَالَتِ لِأَترَابٍ لَهَا قَد رَمَيتُهُ
فَكَيفَ بِهِ إن مَاتَ أَو كَيفَ يُحتَبَل
أَيخفَى لَنَا إِن كانَ في اللَّيلِ دفنُهُ
فَقُلنَ وهَل يَخفَى الهِلَالُ إِذَا أَفَل
قَتَلتِ الفَتَى الكِندِيَّ والشَّاعِرَ الذي
تَدَانَت لهُ الأَشعَارُ طُراً فَيَا لَعَل
لِمَه تَقتُلى المَشهُورَ والفَارِسَ الذي
يُفَلِّقُ هَامَاتِ الرِّجَالِ بِلَا وَجَل
أَلَا يا بَنِي كِندَةَ اقتُلوا بِابنِ عَمِّكم
وإِلّا فَمَا أَنتُم قَبيلٌ ولَا خَوَل
قَتِيلٌ بِوَادِي الحُبِّ مِن غيرِ قَاتِلٍ
ولَا مَيِّتٍ يُعزَى هُنَاكَ ولَا زُمَل
فَتِلكَ الَّتي هَامَ الفُؤَادُ بحُبِّهَ
مُهفهَفَةٌ بَيضَاءُ دُرِّيَّة القُبَل
ولى وَلَها في النَّاسِ قَولٌ وسُمعَةٌ
ولى وَلَهَا في كلِّ نَاحِيَةٍ مَثَل
كأَنَّ عَلى أَسنَانِها بَعدَ هَجعَةٍ
سَفَرجلَ أَو تُفَّاحَ في القَندِ والعَسَل
رَدَاحٌ صَمُوتُ الحِجلِ تَمشى تَبختر
وصَرَّاخَةُ الحِجلينِ يَصرُخنَ في زَجَل
غمُوضٌ عَضُوضُ الحِجلِ لَو أَنهَا مَشَت
بِهِ عِندَ بابَ السَّبسَبِيِّينَ لا نفَصَل
فَهِي هِي وهِي ثمَّ هِي هِي وهي وَهِي
مُنىً لِي مِنَ الدُّنيا مِنَ النَّاسِ بالجُمَل
أَلا لا أَلَا إِلَّا لآلاءِ لابِثٍ
ولا لَا أَلَا إِلا لِآلاءِ مَن رَحَل
فكَم كَم وكَم كَم ثمَّ كَم كَم وكَم وَكَم
قَطَعتُ الفَيافِي والمَهَامِهَ لَم أَمَل
وكافٌ وكَفكافٌ وكَفِّي بِكَفِّهَ
وكافٌ كَفُوفُ الوَدقِ مِن كَفِّها انهَمل
فَلَو لَو ولَو لَو ثمَّ لَو لَو ولَو ولَو
دَنَا دارُ سَلمى كُنتُ أَوَّلَ مَن وَصَل
وعَن عَن وعَن عَن ثمَّ عَن عَن وعَن وَعَن
أُسَائِلُ عَنها كلَّ مَن سَارَ وارتَحَل
وفِي وفِي فِي ثمَّ فِي فِي وفِي وفِي
وفِي وجنَتَي سَلمَى أُقَبِّلُ لَم أَمَل
وسَل سَل وسَل سَل ثمَّ سَل سَل وسَل وسَل
وسَل دَارَ سَلمى والرَّبُوعَ فكَم أَسَل
وشَنصِل وشَنصِل ثمَّ شَنصِل عَشَنصَلٍ
عَلى حاجِبي سَلمى يَزِينُ مَعَ المُقَل
حِجَازيَّة العَينَين مَكيَّةُ الحَشَ
عِرَاقِيَّةُ الأَطرَافِ رُومِيَّةُ الكَفَل
تِهامِيَّةَ الأَبدانِ عَبسِيَّةُ اللَمَى
خُزَاعِيَّة الأَسنَانِ دُرِّيِّة القبَل
وقُلتُ لَها أَيُّ القَبائِل تُنسَبى
لَعَلِّي بَينَ النَّاسِ في الشِّعرِ كَي أُسَل
فَقالت أَنَا كِندِيَّةٌ عَرَبيَّةٌ
فَقُلتُ لَها حاشَا وكَلا وهَل وبَل
فقَالت أَنَا رُومِيَّةٌ عَجَمِيَّة
فقُلتُ لها ورخِيز بِباخُوشَ مِن قُزَل
فَلَمَّا تَلاقَينا وجَدتُ بَنانَه
مُخَضّبَةً تَحكى الشَوَاعِلَ بِالشُّعَل
ولاعَبتُها الشِّطرَنج خَيلى تَرَادَفَت
ورُخّى عَليها دارَ بِالشاهِ بالعَجَل
فَقَالَت ومَا هَذا شَطَارَة لَاعِبٍ
ولكِن قَتلَ الشَّاهِ بالفِيلِ هُو الأَجَل
فَنَاصَبتُها مَنصُوبَ بِالفِيلِ عَاجِل
مِنَ اثنَينِ في تِسعٍ بِسُرعٍ فَلَم أَمَل
وقَد كانَ لَعبي كُلَّ دَستٍ بِقُبلَةٍ
أُقَبِّلُ ثَغراً كَالهِلَالِ إِذَا أَفَل
فَقَبَّلتُهَا تِسعاً وتِسعِينَ قُبلَةً
ووَاحِدَةً أَيضاً وكُنتُ عَلَى عَجَل
وعَانَقتُهَا حَتَّى تَقَطَّعَ عِقدُهَ
وحَتَّى فَصُوصُ الطَّوقِ مِن جِيدِهَا انفَصَل
كأَنَّ فُصُوصَ الطَوقِ لَمَّا تَنَاثَرَت
ضِيَاءُ مَصابِيحٍ تَطَايَرنَ عَن شَعَل
وآخِرُ قَولِي مِثلُ مَا قَلتُ أَوَّل
لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل
امرؤ القیس
امرؤ القیس

هو أهم شعراء العصر الجاهلي وأهم شعراء المعلقات،اسمه هو (امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمر بن حجر آكل المرار ابن معاوية بن الحارث بن يعرب بن ثور بن مرتع بن معاوية)، وهو من قبيلة كندة التي سكنت اليمن، وأمه هي فاطمة أخت المهلهل وكليب ابني ربيعة بن الحارث التّغلبي، أما اسمه، فيُقال إنه حُندج بن حجر، إلا أنه اشتُهر باسم امرئ القيس نسبةً إلى شدته وشجاعته، وقد لُقّب بالملك الضّليل، أما عن كنيته، فكثيرة هي كُناه، منها أبو الحارث (كنية الأسد)، وأبو وهب، وأبو زيد، وذو القروح۔ لقد كانت حياة امرئ القيس حياة لعبٍ ولهوٍ وطيشٍ، وكان ينتقل بين العرب مع بعض الرّجال من بني بكر وطيء وكلب لا مبالياً، فقد كانوا يغيرون على أحياء العرب ومنازلهم، ويتقاسمون ما يأخذونه منهم، وبقي على هذه الحال حتى جاءه خبر مقتل والده الذي غير حياته رأساً على عقب، فاستفاق من طيشه وانتقل إلى حياة الجد والعزم للأخذ بثأر أبيه، ولم يرض امرؤ القيس أي طريق للصلح مع بني أسد ( قبيلة قاتل والده)، فخرج إلى اليمن، فأقبل منها ومن ربيعة بجموع، أعانته على حربه عليهم فيما بعد۔

More poems from same author

Unlock the Power of Language & AI

Benefit from dictionaries, spell checkers, and character recognizers. A revolutionary step for students, teachers, researchers, and professionals from various fields and industries.

Lughaat

Empower the academic and research process through various Pakistani and international dictionaries.

Explore

Spell Checker

Detect and correct spelling mistakes across multiple languages.

Try Now

OCR

Convert images to editable text using advanced OCR technology.

Use OCR