كَبِرتُ كَذاكَ المَرءُ ما عاشَ يَكبُرُ

كَبِرتُ كَذاكَ المَرءُ ما عاشَ يَكبُرُ
وَقَد يَهرَمُ الباقي الكَبيرُ المُعَمَّرُ
لَقَد كُنَّ يَأتينَ الغَواني يَزُرنَني
بِأَردانِها مِسكٌ ذَكيٌّ وَعَنبَرُ
وَلَمّا رَأَينَ البيضُ شَيبي وَذَرنَني
وَنادَينَني يا عَمُّ وَالشَيبُ يوذِرُ
تَنَفَّرنَ عَنّي حينَ أَبصَرنَ شامِلاً
عَلى مَفرِقي كَالقُطنِ بَل هُوَ أَنوَرُ
وَكُنَّ خِلالي يَومَ شَعري كَأَنَّهُ
جَناحُ غُدافٍ أَسوَدٍ حينَ يُنثَرُ
أَريعُ عَلَيهِ البانُ في كُلِّ لَيلَةٍ
فَيُصبِحُ جَعداً كَالعَناقيدِ يَقطُرُ
وَقَد كُنتُ أَمشي كَالرُدَينِيِّ ثابِتاً
فَصِرتُ كَأَنّي ظالِعُ الرِجلِ أَصوَرُ
فَبُدِّلتُ شَيباً بَعدَما اِسوَدَّ حالِكٌ
مَتى مَسَّهُ خَضبٌ إِذا هُوَ أَحمَرُ
كَرابِيَةٍ حَمراءَ في رَأسِ حالِقٍ
عَلى شَعَفٍ بادٍ لِمَن يَتَبَصَّرُ
عَلا الشَيبُ رَأسي بَعدَما كانَ أَسوَداً
وَفي الشَيبِ آياتٌ لِمَن يَتَفَكَّرُ
وَبَعدَ الشَبابِ الشَيبُ وَالضَعفُ وَالفَنا
وَمَوتٌ لَهُ قَدرٌ عَبوسٌ مُكَدِّرُ
فَكَم كَم مِنَ الأَملاكِ قَد ذَلَّ مُلكُهُم
وَهَل مِن نَعيمٍ دائِمٍ لا يُغَيَّرُ
سِوى مُلكُ رَبّي ذي الجَلالِ فَإِنَّهُ
لَهُ المُلكُ يَقضي ما يَشاءُ وَيَقدِرُ
لَقَد كانَ قَحطانُ النَدى القَرمِ جَدُّنا
لَهُ مَنصِبٌ في رافِعِ السَمكِ يُشهَرُ
يَنالُ نُجومَ السَعدِ إِن مَدَّ كَفَّهُ
تَقِلُّ أَكُفٌّ عِندَ ذاكَ وَتَقصُرُ
وَرِثنا سَناءً مِنهُ يَعلو وَمَحتِداً
مُنيفَ الذُرى سامي الأَرومَةِ يُذكَرُ
إِذا اِنتَسَبَت شوسُ المُلوكِ فَإِنَّما
لَنا الرايَةُ العُليا الَّتي لَيسَ تُكسَرُ
لَنا مُلكُ ذي القَرنَينِ هَل نالَ مُلكَهُ
مِنَ البَشَرِ المَخلوقِ خَلقٌ مُصَوَّرُ
بَواتِرَ يَتلو الشَمسَ عِندَ غُروبَها
لِيَنظُرَها في عَينِها حينَ تَحضُرُ
وَيَسمو إِلَيها حينَ تَطلُعُ غَدوَةً
فَيَلمَحَها في بُرجِها حينَ تَظهَرُ
وَكيلاً بِأَسبابِ السَماءِ نَهارَهُ
وَلَيلاً رَقيباً دائِماً لَيسَ يَفتُرُ
وَأَوصَدَ سَدّاً مِن حَديدٍ أَذابَهُ
وَمِن عَينِ قِطرٍ مُفرَغاً لَيسَ يَظهَرُ
رَمى فيهِ يَأجوجاً وَمَأجوجَ عِنوَةً
إِلى يَومِ يُدعى لِلحِسابِ وَيُنشَرُ
وَفي سَبَإٍ هَل كانَ عِزٌّ كَعِزِّهِم
لَهُم حَسَبٌ مَحضٌ لُبابٌ وَجَوهَرُ
وَقَد كانَ في بَينونَ مُلكٌ وَسُؤدُدٌ
وَفي ناعِطٍ مُلكٌ قَديمٌ وَمَفخَرُ
وَأَسعَدَ كانَ الناسُ تَحتَ سِيوفِهِ
حَواهُم بِمُلكٍ شامِخٍ لَيسَ يُقهَرُ
تَواضَعُ أَشرافُ البَرِيَّةِ كُلِّها
إِذا ذُكِرَت أَشرافَها اكصيدُ حِميَرُ
وَفي الكُفرِ كُنّا قادَةً وَذَوي نُهى
لَنا عَدَدُ القِبصِ الَذي هُوَ يَكثُرُ
وَأَوَّلُ مَن آوى النَبِيَّ مُحَمَّداً
نَصَرنا وَآوَينا نَذُبُّ وَنَنصُرُ
عَنِ المُشرِقِ المَيمونِ أَحمَدَ ذي النُهى
كَأَنّا ضَراغيمُ الفَضا حينَ نُصحِرُ
إِذا شَمَرَت حَربٌ وَهَزَّ هَزيزُها
نَهَضنا مَساعيراً لَها حينَ تُسعَرُ
نَكُبُّ الكُماةَ الشوسَ عِندَ اِصطِلائِها
قَتَلنا وُلاةَ الشُركِ مَن كانَ يَكفُرُ
إِذا زَفَّتِ الأَنصارُ حَولَ مُحَمَّدٍ
بِجَيشٍ كَيَمٍّ مُزبِدٍ حينَ يَزخُرُ
يَزُفّونَ حَولَ الهاشِمِيَ نَبِيِّهِم
عَلى وَجهِهِ نورٌ مِنَ اللَهِ يُزهِرُ
إِذا خَطَروا بِالمَشرِفِيَّةِ وَالقَنا
فَبِخ بِخ لَهُم مِن عُصبَةٍ حينَ تَخطُرُ
إِذا ما مَشوا في السابِغاتِ كَأَنَّها
هَزيمٌ مِنَ الرَعدِ المُجَلجِلِ يَزأَرُ
فَضَلنا مُلوكَ الشامِ في كُلِّ مَشهَدٍ
لَنا الأَثرُ في المَرعى وَوِردٌ وَمَصدَرُ
حَسَّانْ بْنْ ثَابِتْ
حَسَّانْ بْنْ ثَابِتْ

أَبُو اَلْوَلِيدْ حَسَّانْ بْنْ ثَابِتْ بْنْ اَلْمُنْذِرْ اَلْخَزْرَجِيّ اَلْأَنْصَارِي، شاعر عربي وصحابي من الأنصار، ينتمي إلى قبيلة الخزرج من أهل المدينة، كما كان شاعرًا معتبرًا يفد على ملوك آل غسان في الشام قبل إسلامه، ثم أسلم وصار شاعر الرسول ﷺ بعد الهجرة. توفي أثناء خلافة علي بن أبي طالب بين عامي 35 و40 هـ۔ هو: أبو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري، من قبيلة الخزرج، التي هاجرت من اليمن إلى الحجاز، وأقامت في المدينة مع الأوس. ولد في المدينة قبل مولد الرسول ﷺ بنحو ثماني سنين، فعاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة أخرى، وشب في بيت وجاهة وشرف، منصرفًا إلى اللهو والغزل. وهو من بني النجار أخوال عبد المطلب بن هاشم جد النبي محمد من قبيلة الخزرج، ويروى أن أباه ثابت بن المنذر الخزرجي كان من سادة قومه، ومن أشرفهم، وأما أمه فهي الفزيعة بنت خنيس بن لوزان بن عبدون وهي أيضا خزرجية. ولد سنة: 60 قبل الهجرة النبوية على الأرجح، صحابي وكان ينشد الشعر قبل الإسلام، وكان ممن يفدون على ملوك الغساسنة في الشام، وبعد إسلامه اعتبر شاعر النبي محمد بن عبد الله۔ وأهدى لهُ النبي جارية قبطية قد اهداها لهٌ المقوقس ملك القبط واسمها سيرين بنت شمعون فتزوجها حسان وأنجبت منهُ ولدهُ عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، وحسن إسلامها وهي أخت جارية الرسول مارية القبطية۔ ومن زوجاته الشعثاء التي كان يشبب بها في غزل قصائده وحكى السهيلي بأنها ابنة كَاهِنٍ الأسلمية وولدت له بنتًا يقال لها فراس وقيل هي بنت سلاّم بن مشْكم أحد رؤساء اليهود بالمدينة الذي قال أبو سفيان بن حرب وقد نزل عليه في قدمة قدمها؛ سقاني فروّاني كميتا مدامة على ظمأ منّي غلام بن مشكم وقال الرّشاطيّ في أنساب الخزرج: أم فراس بنت حسان بن ثابت أمها شعثاء بنت هلال بن عُويمر بن حارثة بن مالك بن ثعلبة، من خُزاعة وكذا قال بن الأعرابي في نوادره إن شعثاء خزاعية. ولقد سجلت كتب الأدب والتاريخ الكثير من الأشعار التي ألقاها في هجاء الكفار ومعارضتهم، وكذلك في مدح المسلمين ورثاء شهدائهم وأمواتهم. وأصيب بالعمى قبل وفاته، ولم يشهد مع النبي مشهدًا لعلة أصابته ويعد في طبقة المخضرمين من الشعراء لأنه أدرك الجاهلية والإسلام۔

More poems from same author

Unlock the Power of Language & AI

Benefit from dictionaries, spell checkers, and character recognizers. A revolutionary step for students, teachers, researchers, and professionals from various fields and industries.

Lughaat

Empower the academic and research process through various Pakistani and international dictionaries.

Explore

Spell Checker

Detect and correct spelling mistakes across multiple languages.

Try Now

OCR

Convert images to editable text using advanced OCR technology.

Use OCR